روائع مختارة | واحة الأسرة | قضايا ومشكلات أسرية | قطعة أخــرى!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > قضايا ومشكلات أسرية > قطعة أخــرى!


  قطعة أخــرى!
     عدد مرات المشاهدة: 3615        عدد مرات الإرسال: 0

ـ أمّي أريد قطعة من الحلوى..

= كلا..

عصرت عينيّ وأطلقت صيحة إعتراض:

ـ لماذا لا؟

قالت متعجّلة:

= إذا أكلت قطعة أخرى فسوف تموت..

وأخذت كيس الحلوى بعيداً عنّا لتخفيه في مكان سرّي..

هل كنت جشعا؟ أم أنّ قطعة الحلوى التي أخذتها لم تكن كافية لتسدّ شهوتي؟ فـ سهل ورُبَى أيضاً كانا يعولان على رجائي الكثير..كانا يتوقّعان أن تتقبّل والدتي طلبنا بزيادة الكميّة، ولكنّها رفضت..فتح سهل الثلاجة وصبّ لنفسه كأساً من الماء:

ـ أمّي تعرف مصلحتنا أكثر منّا يا عبد الله..ربّما نموت لو أكلنا قطعة أخرى..

تبعته رُبَى:

ـ نعم..نعم..ربّما نموت..ربّما نموت..ماما تحبّنا وتخاف علينا..أعطني كأس الماء بعدك يا سهل..

وضع سهل كأس الماء على حافّة باب الثلاجة دون إهتمام بطلب رُبَى، وذهب إلى غرفة المعيشة ليستلقي أمام التلفاز..شربت رُبَى ما تبقّى في آخر الكأس ولحقته مقلّدة حركاته..

أما أنا..فلم أقتنع بهذا الكلام..وسبق أن أكلت قطعتين دون علم والدتي..وها أنا لا أزال حيّاً..إنّها فقط تريد أن تحتفظ لنا ببقيّة الحلوى ليوم آخر وحسب..ولذلك..وفي المساء..آوى كلّ منا إلى فراشه..إصطنعت النوم..حتّى سمعت صوت باب حجرة أبويّ تغلق..هل أقوم الآن أم لا؟ لا..سأعدّ إلى المائة..حتّى أضمن أنّ الأسرة كلّها قد أوت إلى نوم عمييييييق..

ثمان وتسعون..تسع وتسعون..مائة..هه..رفعت رأسي..إقتربت من رُبَى..أنفاسها بطيئة.. ذهبت إلى سهل..هو الآخر نائم..ممتاز..الآن سأنطلق في مهمّتي..تحرّكت إلى المطبخ..حيث هناك يقبع المخبأ السرّيّ..

وعلى أطراف أصابعي كان الإنطلاق..

لم أكن بحاجة إلى وقت طويل حتّى أجد كيس الحلوى..أكلت قطعة..هممممممم..قطعتين..يا سلااام..كم أعشق الحلوى..وهذه القطعة الثالثة...والرابعة..آه..الحمد لله..هل يمكن لوالدتي إكتشاف نقصان الكميّة؟ لا..لا أظن ذلك..وإن إكتشفتها فأنا..لا أرى..لا أسمع..لا أتكلّم!!

في رحلة العودة إلى فراشي انطلقت على قدمين تسابقان الريح في سرعتهما، والتففت باللحاف ورحت أنا أيضاً في نوم عميييييق..

لم تكد الشمس تشقّ صدر السماء حتّى إستيقظت فرحا بإنجازي..أيقظت إخوتي:

ـ هيه..اسمعوا..أنظروا إلي..لقد فعلتها وها أنا لم أزل حيّاً لم أمت..

حاولت رُبَى أن تفتح عينيها:

ـ ماذا فعلت؟

وبهمس البطل الخائف أخبرتهم بالمغامرة..

شهقت رُبَى:

ـ أربع قطع!!

أردف سهل:

ـ ولم تمت؟!! مستحيل!

ـ لماذا مستحيل؟ أنا حيّ ألا تراني؟

ومشيت طولاً وعرضاً في غرفة نومنا حتّى أثبت له حيويّتي..

حملق سهل في عينيّ..ثم ضاقت عيناه وأشار بيده إلى معدتي..

ـ الأمر ليس بهذه السهولة..أمّي لا تكذب..ستموت عاجلاً أم آجلاً بسبب القطع الزائدة..ولكن إنتظر فقط..لا أظنّك ستعيش حتى المساء..حينما تصل الحلوى إلى أمعائك..ستتقطّع وتموت..ثق أنّنا لن نخبر والدتي بما فعلته حتّى لا تغضب منك فتدخل النار بعد موتك..

قدماي ترتجفان..وضعت رُبَى يديها على خديها:

ـ يا إلهي..ستموت يا عبّودي وتتركنا..

وبحركة لا إراديّة وضعت أصابعي في فمي أقضم أظافري..أمسك يدي سهل:

ـ لا تقلق..سأتولّى الموضوع..لا تنس أنّني أكبركم..وأكثركم خبرة..فأنا الآن في الصف الأوّل الابتدائيّ..

وإحتضنتني رُبَى:

ـ عبّودي..لا تخف..نحن معك..

ربّاه..إذاً وضعي سيّء للغاية..وإنفجرت باكياً:

ـ لا أريد أن أموت..لا أريد أن أموت..

عقد سهل حاجبيه..وبدا وكأنّه رجل كبير:

ـ هسس..إصمت لكي لا تسمعك أمّنا فتكتشف محاولتك الفظيعة لقتل نفسك..

ـ ولكنّني لم أرد قتل نفسي..أردت أن آكل الحلوى حتّى أشبع وحسب..

ـ المهم..اصمت..وهيا ننزل بهدوء لنأكل الفطور..

ـ لا أريد أن آكل..أريد أن أكون بخير..

لم أتناول الفطور..ولم أتعب نفسي فأقوم إلى الغداء..كلّ شيء يبدو كئيباً..وأصبحت لا أقوى على الحراك من قلّة الأكل..يه..إنّها أمّي..وضعت لحافي على رأسي..

ـ عبد الله..لماذا لم تأكل؟

ـ لا أريد..أنا شبعان..

ـ إذا لم تتغدّى فلن أعطيك من الحلوى في العصر..

ـ لا أريد..لا أريد أيّ حلوى..ولا أريد سماع إسمها..أكرهها..أكرهها..

تركتني أمّي وذهبت..ليتها أطالت الجلوس..رفعت رأسي..لو تدرين يا أمّي أنّ ابنك يغادر الدنيا..

جاء سهل..ونظر إليّ يتفحّصني:

ـ أنت الآن أصفر اللون..اسمع..ألا تشعر بمغص؟

تحسّست بطني:

ـ كلا..لا أشعر به!

ـ كيف لا؟! يجب أن تعاني من المغص..إنّه موجود..تأكّد من أنّك لا تتألّم..

تحسّست بطني وللمرّة الثانية:

ـ بلى أشعر بالمغص..

ـ همم..ألا تريد أن تستفرغ؟

ـ في الحقيقة..لا أشعر بالغثيان..ولكنّني لا أنكر وجود المغص!

ـ يجب أن تشعر به..ربّما بعد قليل..سأضع بالقرب منك كيساً..وحالما تشعر برغبة في الإستفراغ إستخدمه..سأبقى أنا خارج الغرفة، لأنّني لا أحبّ رائحة الإستفراغ كما تعلم.

ـ وماذا بعد ذلك؟

ـ سنخبر أمّنا بأنّك في وضع لا يقبل الغضب..وأنّك على وشك الموت..ثم..نذهب بك إلى الطبيب..أتمنّى أن لا يأخذ تفهّم أمّنا للوضع وقتاً طويلاً..وإلا فسوف......

لم يكد سهل يخرج من غرفتنا حتّى شعرت بأنّ أمعائي في حالة غضطراب..وإجتاحتني رغبة قويّة للإستفراغ..لم أمسك بالكيس..وإنّما خرجت أصرخ..وأبكي..وأتألّم:

ـ أمّي..أرجوك..ساعديني..سأموووت..

احتوتني أمّي بين يديها..كانت فزعة جداّ..جاء والدي:

ـ ما بك؟

ـ بطني..إنّ أمعائي تتقطّع..

رُبَى تصرخ..سهل يعضّ أصابعه:

ـ يا إلهي..سرقنا الوقت..سيموت..

وأنا أزداد تألّما وصراخي يزداد علوّاً..

أسرعت والدتي على المطبخ..أحضرت لي مشروباً دافئاً من الأعشاب، شربته دفعة واحدة..وأحسست بالراحة بعد وصوله إلى معدتي..

ـ هاه..كيف حالك الآن؟

ـ بخير..أريد أن أنام..

تمدّدت على السرير..جلست أمي بجواري.. رُبَى تمسك بيدي فرحة..وسهل لا زال ينظر إلي!!التفتّ إلى أمّي:

ـ ماما..ماذا يحدث لو أكل سهل قطعتين من الحلوى دفعة واحدة؟ هل سيموت؟

إبتسمت أمّي:

ـ وهل أكلت أنت قطعتين دفعة واحدة؟

أطرقت برأسي، ولم أجبها..ربّتت على كتفي:

ـ لا..لن يموت..ولكنّه يعصي كلام أمّه..

وخرجت تنادي الخادمة:

ـ أحضري لي غداء عبودي..فهو حتما جائع..

لحظة قبل الرحيل:

عالم الكبار..حقائق لا تقبل غير التصديق..فرفقاً بصغارنا يا معشر الكبار..

الكاتب: هناء الحمراني.

المصدر: موقع رسالة المرأة.